السلام عليكم ورحمة الله وبركاااته
حق الليله.. اعطونا الله يعطيكم
كثيرة هي العادات الإسلامية الحميدة التي وصلتنا من القرن الهجري وكان يمارسها الصحابة والفقهاء رضوان الله عليهم عندما كانوا صغاراً ، في المدينـة المنورة ومكة المكرمة والكوفة وبغـداد ودمشق وباقي الحواضر الإسلامية في القرن الأول الهجري . ومناسبة (الكركعان) هي ليلتان في السنة ، فالأولى في النصف من شهر شعبان ، وهذه بدأت في السنة الثالثة للهجرة ، والثانية بدأت في النصف من شهر رمضان في سنة 255هجرية ، يمارسها معظم شعوب العالم الإسلامي بمختلف الأساليب والمسميات. فليلة الكركعان في شهر شعبان وردت في فضلها أحاديث كثيرة ، بينما كل شعوب العالم الإسلامي يختلفون في ليلة النصف من شهر رمضان ، فهي ليلة مباركة وينتظرها أطفال المسلمين كافة بشوق منطقع النظير تماماً مثل يوم عيـد الفطر.
يشير الباحث الشعبي محمد المسلماني إلى أصل هذه الكلمة فيقول: معنى هذه الكلمة التي نسمعها تتردد من أفواه الأطفال بعد أن كنا نرددها دون وعي أو معنى أصبحت الآن كلمة لها جذور ولها تاريخ بفضل التواصل الحضاري والانفتاح الثقافي الذي نحياه .
فنجد أن الأصل من هذه الكلمة (كريكعان) التي تحرفت إلى (كرنكعوه) وهي لا تعني أبداً قرقعة الصمى أي الحجارة الصلداء التي تستخدم في خبط إيقاع أغنية الكرنكعوه كما قد يفهمها البعض ، ولكنها أي (كريكعان) تحريف لعادة كانت تمارس في عصر العباسيين وهي الطلب في منتصف الشهر بحداء أقرب إلى الرجز يقـول :
يا صــاحب الـبيت
أجــر جـوعــان
يـا ربنـــا إعطـه
بيتـاً في عالـي الجنـان
وكـان الفقراء يقصدون بيت الخليفه وبيوت الوزراء بهذه الأغنية طوال ليل ونهـار منتصف رمضان كما ذكـر أبو الفرج الأصبهاني في مؤلفه كتاب (الأغاني) المجلد الخامس .
وإذا توقفنا عند كلمة (أجر جوعان) وهو طلب الجـيرة وطلب الحماية للجائع ومعنى ذلك طلب شيء ، فلو تأملنا كلمة (أجر جوعان) وكلمة (كريكعان) سنجد أن الثانية تحريف للأولى فكانت (أجر جعان) فحرفت (جرجعان) إلى (كركعان) ، وإن كانت الإضافات الشعبية هي التي أكملت صيغة الغنـاء والشعر في الأهزوجة الشعبية الحالية ، و(كرنكعوه) هو تحريف آخر تسمعه للكلمة الأولى وما زال يردد في أضنة وفي الأناضول في تركيا إلى يومنا هذا ، وأيضاً نجدها في معظم مناطق الخليج العربي .
تعـدد الأســماء
ويحدد الباحث الشعبي صالح غريب بقوله :
"يحتفل أطفالنا بليلة النصف من شعبان والتي نطلق عليها (الكرنكعوه) وهي عادة رمضانية تختلف أسماؤها بتعدد الدول التي تمارسها ، ففي الإمارات مثلاً يطلق عليها "حق الليلة " ويتم الاحتفال بها في النصف من شهر شعبان فقط، ولا يحتفل بها خلال النصف من شهر رمضان ، وفي سلطنة عمان تسمى (القرنقشوه) أو (الطلبة) ، وتسمى أيضاً (طاب طاب) ، وتسمى في البحرين ( كرنكعوه) ، وفي الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية تسمى (الناصفة) ,(كريكشون) وحل وعاد ، أما في الأحساء فتسمى (كريكعان) ، وفي الكويت تسمى (كريكعان) أيضاً ، وبين قصير وارميضان" .
وهي في الواقع مناسبة سعيدة لدى الأطفال حيث تبـدأ بعد انقضاء فترة الفطور مباشرة ويتجمع الأطفال في مجموعات ، ويطوفون على منازل الحي مرددين أغنية الكركعان في أكياس مصنوعة من القماش أعدت لهذه المناسبة ويحملونهـا معهم، وهي تعرف عربيـاً بـ ( المخلاة).
ويضيف صالح غريب: أن هذه المناسبة العربيـة لم يحرف منها سوى مطلعها أي (الكرنكعوه) ولكنها ما زالت حافلة بالدعاء .
أما الباحثة الشعبية الدكتورة ( كلثم الغانم ) فتقول حول استعداد الأسر للاحتفال بهذه المناسبة: إنه يستعد الأهالي والأطفال للاحتفال بهذه المناسبة بشراء المكسرات والحلويات ، وتقوم الأمهات بخياطة أكياس من القماش التي سوف يجمع الأطفال فيها ما يوزعه الأهالي عليهم من المكسرات والحلويات وحتى النقود. حيث يقوم الطفل منهم بتعليق الكيس على رقبته . فتقوم ربة المنزل . بعد أن تطلب من الأطفال تكرار الأغنية وخاصة الجزء الذي يمتدحون فيها ابنها. بالغرف بيديها أو بواسطة إناء من الصينية أو الجفير المليء بالمكسرات والحلويات ، وتفتح كيس كل طفل منهم وتضع به نصيبه ، وفي أثناء ذلك يتدافع الأطفال للوصول إلى السيدة التي تقوم بالتوزيع، كما يتنافس الأطفال لجمع أكبر كمية من المكسرات والحلويات .
ويستمر الاحتفال حتى ساعة متأخرة من الليل والأهالي مجتمعون في المنازل ينتظرون قدوم مجموعات الأطفال عليهم مجموعة تلو الأخرى ، وعندما يسمع أهل المنزل صوت غناء الأطفال من بعيد يتأهبون لاستقبالهم بوضع الجفير عند باب المنزل أو في الحوش . ويستاء أهل المنزل إذا أهملته مجموعات الأطفال في هذه الليلة ولم يقوموا بزيارته وأخذ نصيبهم من الكركعان. وقد يحدث ذلك إذا كان المنزل بعيداً عن باقي البيوت أو أن ما يقدمونه للأطفال من كركعان لا يرضي أذواقهم .
أما ليلة النصف وتسمى (الناصفة) ومن مسمياتهـا أيضا ليلة (القرقشان) أو ليلة (حق الليلة) أو (القرقعان) أو (الكريكشون)كما تسمى أيضاً (حل وعاد)، وكل هذه مسميات لليلة النصف من شهر شعبان وليلة النصف من شهر رمضان ليلة القرقعان باختلاف المناطق والمدن ، أما في واحة الأحساء فليلة النصف من شعبان تدعى (ليلة النافلة) وليس فيها قرقعان إنمـا يوزع فيها طبق يدعى (المرقوق) وهو عبارة عن أرز حساوي مطبوخ من لوبيـاء وماش وأصابع صغيرة من العجين .
وفي هذه الليلة يستعد الناس استعداداً يلائم المناسبة حيث تقوم كل أسرة بشراء القرقعان وهو عبارة عن خليط من المكسرات الموجودة في تلك الفترة التي عايشها الآباء وهي عبارة عن مقاريع وملبس وسمبل وجوز وبيذان ونقل ونخي وتيـن و برميت وميـوه ، والميوه هي الفاكهة ، وبيض الصعو وبعض الحلاوة البسيطة مثل حلاوة تسمى بهلوان وحلاوة تسمى الجاكليت تخلط مع الأشياء ووضع في وعاء واحد يسمى الجفير أو المنسف أو يوضع على سفرة أو حصير ويترك في انتظار شباب وأطفال الحـي .
وقديمـاً كانوا يأتون وهم يحملون الفوانيس في أيديهم حيث لم يعرف الناس الكهرباء في بـدايات القرن المنصرم ولهذا فالإضاءة كانت محدودة أو نـادرة .
فعـاليـات القرنقعــوه
والقرقعان أو القرنقعوه تبدأ فعالياته بعـد صلاة المغرب يجتمع الأولاد والبنات كل حسب سنّه والكل منهم يحمل كيسه وهو مصنوع من أكياس الطحين المعروفة بأكياس (كل والبس) أو خريطة كما يسمونها ليشكلوا مجموعات صغيرة تتوزع على أحياء مرددة أهازيج خاصة بهـذه المناسبة .
فمثـلاً البنات صغيرات السـن والأولاد صغير والسن يتغنون بالأغنية المعروفة والتي تقول :
عطونا حق الليله
عطـونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكـم
بعدهـا يتغنـون ويمجـدون ابن أو بنت صاحب البيت فإذا كان اسمُ ابنه علياً يقولـون :
عطـونا دحبت لبنـان
يسـلم لكـم عليـان
تصغير لاسـم علي. أو يقولون سجعاً على غرار الاسم مثل خليفة أو عبدالله وغيرها .
وتردد هذه الأهازيج مصحوبة بلحن جميل معروف ومتوازن مع إيقاع موحـد يخرج من خلال قرقعة الحمص بعضه ببعض المحمول مع الأطفال .
وهذا التقليد هو الشائع في كل مدن وقرى الخليج العربي والشكل والمضمون لا يختلفان ، ففي هذه المناسبة البنات وصغار السن من الأولاد ينشدون ويرددون :
قـرقعــان قرعــان
عـادت عليكم يا الصيام
ما بيـن اقصير وارمضان
عطـونا الله يعطــكم
ويسـلم لكــم عبدالله
إلى آخر الكلمات التي ذكرت ، مع تمجيد أبنـاء وبنـات كل بيت يأتون إليه .
أما الشباب فيتعاملون مع هذه الليلة بشـكل آخر ، شكل يغلب عليه الفرح والمرح والغناء والتمجيد والشكر لله ، فهم يشكلون فريقاً فيحضرون معهم طبل وطارات وخيشة لوضع القرقعان ، أي أنه قرقعان جماعي خاصة إذا كان الشبان يعيشون في بيت واحد أو فريـج واحد أو أنهم أصدقاء أو أقارب ، والمسيرة تبدأ بإيقاع من الطبل والطار مصحوبة بصفقة بالأكف مرددين الأهازيج الشعبية الخاصة بهـذه المناسبة .
حلويـات زمــان
نظـراً لظروف الاقتصادية التي مرت بالخليج فقد كانوا يقدمون (السلوق) وهو بسر قد سلق وجفف على أشعة الشمس ، هكذا أخبرنا الرواة الذين كانوا يوماً ما يمارسـون (الكركعان) عندمـا كانوا أطفالاً.
ففي الماضـي كان الوضع يختلف بحيث يتلاءم مع اقتصاديات ذلك الوقت فقد كانوا يعطون : القناطي ، ملبس بيض الحمام أو بيت الصعو ذو ألوان أربعة : أزرق ، سماوي ، وردي ، أبيض، فول سوداني إنتاج الهند أو باكستان ،حلاوة إيرانـي، نخـج (حمص صغير) إيرانـي،بيـدان ، نقـل ، حـب سفسيف (باكستاني) ، ملاليس كولا، حلاوة أبـو الدهـن .
ويقتصـر معظم البيـوت على الفول السـوداني ، والكثير يضيف نوعاً واحـداً من الحلويات.
وأما مايفتي به جماعة ممن لايحق لهم الفتوى في الدين الإسلامي من تحريم الاحتفال بهذه الليلة وغيرها من المناسبات الاسلامية حسب عقيدتهم وشرعهم فلا أساس له من الصحة لأنهم بتصرفهم هذا يريدون أن يصرفوا المسلمين من عقيدة الاسلام الى عقيدتهم وأفكارهم التي تبنوها وأوهموا بعض المسلمين بصحتها، وتشوها منهم وازدراءا وتحقيرا لعقائد المسلمين الحقة والصحيحة.
اعاده الله علينا بالصحه والعافيه .وبلغنا رمضان ونحن مسلمين آآآآآآآآآآمين